3 جانفي 1984: برد قارس في ذلك اليوم ... "كرتوش" وأموات وجرحى


كنت أشاهد من شرفة منزلي بالمنار صباح ذلك اليوم على بعد امتار من الطريق إيكس مجموعات متفرقة لأطفال يعترضون السيارات بالعصي والحجارة، في سلوك يجمع بين العبث و النقمة، شاهدتهم ينزّلون سائقا بالقوة ويسكبون البنزين ويحرقون السيارة وهو يصيح ويطلقون ضحكات غريبة ثم يمرّون لضحايا آخرين.

ما زال ذلك المشهد امامي، استحضره في كل مرة، كنت استاذا بالجامعة، وعمري في الرابع و الثلاثين.
كنت في المحاضرات أدرّس الانظمة السياسية وأركز على إدارة التوازنات التي هي كنش الانظمة مهما اختلفت تعددية أو أحادية، وكان من بين الطلبة الرئيس الحالي قيس سعيد.

لقد عايشت في الكلية كل الصراعات، وعرفت كل الاتجاهات، كانت موضة غريبة لشباب مثالي ثائر في ذلك الوقت.
وكان مصير البلاد في الميزان، والصراعات الداخلية حديث الناس، وكانت المكائد تحاك ولا نعلم بها.
كنا نتساءل كل صباح عن المصير وعما يعد لنا المستقبل.

في غد ذلك اليوم الحزين، يظهر الزعيم بورقيبة في ملامح حزينة وقد اخذ منه العمر مأخذا ولكن بقي بالكاريزما المعروف بها وبالصوت الرصين المقنع. وأخذ يلقي كلمات قليلة ومركزة، فقال: "توة ... وقت استتب الامن بفضل الشعب و الجنود و الامن ... نوقّف كل شيء ... هاكي الزيادات في الخبز و السميد و المكرونة... لا ... نرجع كيف ما كنا ... كيف ما كنا قبل الزيادات".

وبعد هذه الكلمات، سكتت الشوارع وعمّ الهدوء، هلل الناس للانتصار الموهوم وإستعاد النظام أنفاسه.
أُقبِرت الزيادات منذ ذلك التاريخ، وكان الرئيس بن علي في كل مرة يؤخر رفع الدعم ويرفض استعمال مصطلحاته. ظل يحاول باطراد رفع الأسعار ونجح بصورة جزئية، خفية وملتوية، تحسب في الحقيقة للحوارات التي اجراها ولمهنية مساعديه.

فالحكومة الحالية أقدمت على ما تهرّب منه السابقون، كل السابقين دون استثناء، تحدٍ كبير ومغامرة، أتمنى لها النجاح دون اي شك ، فهذا الملف رُحّل الى ما لا نهاية، و تَعقّد كثيرا، و يجب أن نجد له الحل.

ويبقى سؤالان... الأول: هل ضمنّا التوازنات؟ والثاني: هل المناخ الان مواتي؟
إني أرى أن أهم شيء لتونس اليوم هو خلق مناخ جديد، دون توتر ودون صدامات، فدون هذا المناخ تصعب كل الإصلاحات.

 

تعليق جديد

الصادق شعبان




الصادق شعبان