العنف في المنشآت الرياضيّة: مسؤوليّة مشتركة والحل جماعي


كاد الشارع الرياضي التونسي ان يستيقظ على فاجعة وفاة محب للنادي الأفريقي اثر اصابته يوم 11 ماي 2022 على مستوى الرأس "بشمروخ طائر" في نهائي كأس تونس لكرة اليد داخل القاعة الرياضية برادس. هي حادثة نضع اثرها عديد نقاط الاستفهام خصوصا في التعامل الأمني الموكل اليه مهمة تأمين القاعة و محيطها و أيضا من خلال الأسباب العميقة التي أودت الى هذه الحادثة .

إن الإجراء الروتيني الذي يسبق كل مباراة في مختلف الرياضات مهم جدا، حيث يجب ان يخضع الجمهور الى تفتيش محكم من قبل قوات الأمن المنوط بعهدتها لافقط حماية لمنشآت الرياضيّة وإنما مرتاديها سواء من أنفسهم أو من غيرهم لما قد يطرأ من حوادث كالسرقة والسلب والإعتداءات. ذلك أنّ الأعوان يكونون عادة مجهزون بآليات تسمح لهم بكشف المعادن اضافة الى التفتيش بالأيدي لكشف كل ما لا تستطيع الأجهزة الكشف عنه، حتى ولاعة السجائر. وذلك احتياطا لما يمكن ان يحدث من محاولات لحرق للمنشأة الرياضيّة فكيف يمكن أن لا يتفطن الأمنيون إلى الشماريخ؟ سؤال يستدعي الإجابة عنه لوضع حد لهذه لظاهرة اشعال الشماريخ وان كانت للتعبير عن فرح الجماهير او خلق نوع من اللوحة الفنية، انما أحيانا يكون استعمالها ضارا بالغير وأحيانا بالشخص نفسه نظرا لما تسببه من حروق اذا ما فشل في استعمالها.

وما يثير الدهشة والاستغراب أكثر هو استعمال الشماريخ بمختلف أنواعها في القاعات الرياضيّة المغلقة علما وأن عدد الجماهير بالقاعة في كل الأحوال لن يبلغ نظيرتها في الملاعب المخصصة لرياضة كرة القدم.

ان المسؤولية مشتركة بين قوّات الأمن لإخلالها بمهامها المنوطة بعدتها وثانيا الى الجماهير الرياضيّة التي تستعمل الشماريخ في غير الغرض المعد له أو حين يتم القائها على الغير سواء من جماهير منافسة او من نفس الجمهور. وكثيرا ما شهدنا اصابات في صفوف قوات الأمن و الحماية المدنية جراء هذه التصرف المشين الذي يلقي بمساوءه على الأشخاص والمنشئات.

هذه الظاهرة وان لا تختص بها الجماهير الرياضيّة التونسية فقط، وانما هي ظاهرة منتشرة تختلف درجاتها من دولة الى أخرى. انما ما يلاحظ في بلادنا أن منسوب العنف في العشريّة الأخيرة تفاقم بشكل كبير مما نرى انعكاساته على كل المجالات وأساسا في مجال الرياضة المفترض ان يكون للترفيه و الترويح عن النفس.

صورة مصغرة لوضع عام متأزم

استفحل العنف وعم أرجاء البلاد بنسب مختلفة ترتفع من سنة الى أخرى حسب المنتدى  التونسي للحقوق الإقتصاديّة و الإجتماعيّة في تقريره السنوي لسنة 2021.ولئن تعود أسباب تفاقم هذه الظاهرة بشكل عام الى تأزم الأوضاع الإقتصاديّة و الإجتماعيّة في البلاد التي ألقت بضلالها أيضا على المجال الرياضي باعتبار ان مرتاديه هم مواطنو مواطنات هذا البلد.

يمكن الإكتفاء ظاهريا بالاسباب العامة لتفشي ظاهرة العنف بشكل عام في كل الميادين، إنّما عند الحديث عن الميدان الرياضي الذي من المفترض ان يكون بمثابة عرض فنيّ يستمتع فيه الجمهور ويكون الملعب الرياضي أو القاعدة مسرحا للترويح عن النفس لا حلبة مصارعة بين فرقة وأخرى و حتى بين جماهير الفريق الواحد فيما بينهم.  فاضافة الى الأسباب العامة، فإن عديد الأطراف والجهات مسؤولة عن  هذه الظاهرة داخل الحقل الرياضي. ولهذا السبب، ان منع الجماهير لمدة طويلة من الدخول الى متنفسهم الوحيد -بالنسبة لهم- من ضغوطات الحياة اليوميّة يولد كبتا بداخلهم ينفجر في أول فرصة تسنح لهم فينعكس ذلك بشكل أو بآخر داخل المنشآت الرياضيّة.

وأرجح الباحث عماد الحطاب في دراسته التحليلة حول العنف الرياضي ان من أسبابه هو تصرفات اللاعبين واللاعبات داخل الميدان وأساسا العنف فيما بينهم. كما ان الأجواء خارج الملعب او القاعة من تصريحات الإطار الإداري اضافة الى عدم قدرتهم على ضبط الجماهير وتوعيتهم ..

وبالتالي، فإن العديد من الأسباب والأطراف المتداخلة قد ساهمت بشكل أو بآخر في تفاقم ظاهرة العنف داخل المنشئات الرياضيّة، ولكن البحث فيها أمر مهم بقدر أهمية التطرق إلى سبل معالجتها.

تجاوز الحلول الأمنية الى حلول أخرى

اثبتت التجربة ان الحلول الأمنيّة للتصدي الى هذه الظاهرة لم تجد نفعا، حيث واستئناسا بتجارب مقارنة شهدت أحداث عنف كبيرة داخل منشئاتها الرياضية من فئات متعصبة كمجموعة "الهوليڨانز"، قد نوعت من اساليب العلاج بين التشديد في العقوبات على المخالفين حتى صارت الجماهير وعلى الرغم من وجودها بالقرب من الملاعب الرياضية، فإنها لا تتجرأ على النزول. ويذكر ان هذه العقوبات فرديّة لا جماعيّة، وتصل الى حد المنع من دخول المنشئات الرياضيّة مدى الحياة. وفي مراحل متقدمة، تسلط عقوبات جزائية على الفاعل حسب درجة الفعل.

إضافة الى ذلك، تمّ تركيز أجهزة كاميرا في كامل ارجاء المنشئات الرياضيّة حتى تتم المحاسبة. ويمكن تدريجيا التخلي عن وجود قوّات الأمن داخل المنشأة الرياضية والإكتفاء بتواجدها في محيطها لتأمينه.

وعلى مستوى قاعدي يجب العمل على توعية الناشئة بأهمية الروح الرياضة سواء في البرامج التعليميّة أو من خلال ارجاع فرق الرياضة المدرسيّة وهناك يتم غرس ثقافة قبول الهزيمة قبل الفرح بنتيجة الفوز.

إن الحلول اذا ما توفرت الإرادة السياسيّة يمكن ان نجني ثمارها سواء عاجلا أو آجلا، علما بأنّ  العنف داخل المنشآت الرياضيّة ليس وليد العشريّة الأخيرة وإنما شهدنا سابقا أحداث دامية كأحداث  أفريل 2010 و أكتوبر 2011 بملعب المنزه.

تعليق جديد

مصطفى كريمي




مصطفى كريمي