التنمر جريمة يجب التصدّي لها... معاناة اجتماعية منذ الصغر


التنمر هي ظاهرة لطالما كانت موجودة في المجتمع، وازداد انتشارها اكثر خصوصا مع بروز وسائل التواصل الاجتماعي من فايسبوك وانستغرام، والتي للاسف أصبحت للاغلبية وسيلة لمقارنة حياة شخص بالآخر، ولنشر أفكار سامة من تحرش، سخرية. والتنمر وما ادراك ما التنمر، الظاهرة التي تعرض لها اغلبيتنا، ولو حتى لمرة واحدة في حياته، والتي ترينا إلى أي مدى تكون القساوة لدى بعض الاشخاص الذين لم ولن يهتموا بما يمكن ان تفعل مجرد كلمات في حياة فرد آخر، خصوصا في الجانب النفسي، والتونسي "نبار" بطبعه، ومتنمر.

إن اردنا تعريف الكلمة، فالتنمر هو"استغلال قوة على نقطة ضعف الآخرين لاثبات الذات، وهذا الأمر يعرض الضحية لمشاكل عديدة، والتنمر عندما يقع على الطفل يكون أقوى وتأثيره يكون أشرس، لأن الطفل يعجز عن الرد، كما أنه قد يتم عن طريق استغلال السلطة والنفوذ فى بعض الأعمال". وتُعرف هيئة «اليونيسف» التنمر بأنه « احد اشكال العنف الذى يمارسه فرد او مجموعة من الأفراد ضد آخر او إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة، وقد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الشائعات، أو التهديد، أو مهاجمة الفرد المتنمر عليه بدنيا أو لفظيا ، أو عزل طفل ما بقصد الإيذاء او حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ». وهو ليس بظاهرة التنمر جديدة على مجتمعنا، كما قلت سابقا، بل إنها منتشرة بشدة في كل مكان، سواء فى الشارع او المدارس او المصالح الحكومية وغيرها. ولا شك ان التنمر يؤثر سلبا على الضحية، فيسبب له اثارًا نفسية سيئة. أما الشخص المتنمر فيرى خبراء علم النفس انه يعانى من ازمات نفسية فيجد فى ايذاء الضحية وسيلة لاثبات ذاته.

وللتنمر اشكال عديدة منها التنمر الجسدى والتنمر اللفظى والمتمثل فى الاهانة وتهديد الآخرين، والتنمر الاجتماعى والذى يهدف إلى الاساءة لسمعة الاخرين وبث الشائعات. فلطالما عشنا ورأينا حالات كهذه: يسخرون منك لشكلك، بسبب وزنك أو ملابسك أو طريقة كلامك أو لهجتك، وبالطبع لاختلافك. فهم لا يقبلون الاختلاف بطرقه العديدة...هم يريدون أن يتشابه كل النّاس... أن يكون كلهم مثل بعضهم البعض.

حين يشارك الأساتذة والمعلمون في جريمة التنمر

للاسف، بعض المربون من اساتذة ومعلمين يشاركون في هذه الجريمة. فأن تسخر من تلميذ وتنقص من قيمته أمام زملائه، يعتبر اكبر خطأ أو بالاحرى جريمة في حق التلميذ. وأن تسخر من افكاره، أو المجهود الذي قدمه، أو تعطيه لقبا أو تسمية سوف تلتصق به طول العام خصوصا وأن زملائه الاخرين سيستغلونها للتهكم عليه، ليس سلوكا جيدا... ليس هذا فقط بل يوجد ايضا اساتذة يتنمرون حتى على شكل التلميذ.

شيء مؤسف جدا بالنسبة لي، خصوصا وأن المربي يجب أن يكون مثالا وقدوة للتلاميذ. وكما يقول المثل "كاد المعلّم أن يكون رسولاً"، لا أن ينشر ويبرر مثل هذه الافعال والافكار في وعي أجيال المستقبل. ولكن ايضا، وفي تصوّري، فاللوم كذلك يقع على الاولياء، فالمشكلة تقبع في الطريقة والمحيط الذي يعيش فيه الفرد ويُربى فيه، فللاسف في عقلية غالب الاولياء، لا تجد ثقافة الحب، والتعبير عن المشاعر لسبب أو دونه، المساندة والدعم كذلك، بل هناك من ينقصون من قيمة ابنائهم ولا يقمون لهم ما يحتاجونه من حب ودعم معنوي خصوصا، وأن يدافعو عنهم... بل نجد التنمر والثقافة الذكورية عبر عدم اعطاء أهمية لتشكيات أبنائهم و لا يتفطنون إلى علامات القلق النفسي التي تظهر عليهم.

أكثر من ربع مليار طفل في المدراس يتعرضون للعنف المعنوي والتنمّر

وقد أظهرت إحصائيات أممية أن من بين أكثر من مليار طفل في المدارس حول العالم، يتعرض ربعهم للعنف المعنوي والتنمّر وأحيانا الاعتداء المادي. كما أن مراهقا واحدا من أصل ثلاثة مراهقين، في أوروبا وأمربكا الشمالية تعرضوا للتنمر في المدارس، مرة واحدة على الأقل خلال حياتهم. وإن الأكثر عرضة لخطر التنمر هم في كثير من الأحيان من الفقراء أو الأقليات العرقية أو اللغوية أو الثقافية.

فبالنسبة لتونس، التنمر موجود بقوة وبكل الطرق. وكما قلنا سابقا هناك "ضوء أخضر" يُعطى انطلاقا من العائلة، الوسط المدرسي من قِبل الاستاذ، أو الجامعي، ظاهرة ساهمت في ارتفاع حالات الانتحار لدى المراهقين وحتى الاطفال. ففي بعض الأحيان لا يستطيع الآباء إدراك الإشارات التي يقدّمها أبناءهم ضحايا التنمّر، لكن هناك علامات قويّة بمثابة ناقوس خطر خاصة عند اكتشاف آثار جسدية ليس لها سبب مقنع (مثل الجروح والكدمات) خاصة لو كانت متكررة، أو عندما يصبح الطفل لا يرغب في الذهاب للمدرسة أو التواجد في التجمعات الاجتماعية.

وما زاد الطين بلة هو غياب الاخصائيين النفسيين في المدارس والمعاهد، فمن المفترض انهم يساعدون ويرافقون التلميذ، حيث اثبتت عدة دراسات ان التنمر يمك ان يتسبب في الاكتئاب وصولا الى الانتحار. الا أن سياسة الدولة تتجاهل كليا الجانب النفسي للتلميذ.

وباعتبار أن التنمر هو ظاهرة صحية ومجتمعية، فالمعالجة ممكنة، وذلك من خلال فتح ورشات الحوار مع الاطارات التربوية والتلاميذ حول مخاطره وأثاره النفسية المدمرة لضمان بيئة افضل للتعلم في المدارس والمعاهد. فحسب دراسة حديثة "يهدد (التنمر) حياة الاطفال والمراهقين ايضا ، حيث يرتبط بزيادة محاولات الانتحار بنسبة تقارب 3 اضعاف فى جميع انحاء العالم ، وشملت الدراسة عددًا كبيرًا من الاطفال والمراهقين الذين تتراوح اعمارهم بين 12 و15 عاما، يعيشون فى 48 دولة، ووجد الباحثون ان أكثر من 30 % من المراهقين المشاركين فى الدراسة ، عانوا التنمر فى الثلاثين يوما التى سبقت إجراء المسح".

حين يتحول الفايسبوك بتونس إلى فضاء للتنمر

ولم يخلو الفايسبوك في تونس من أنواع التنمر، ونذكر على سبيل المثال ما تعرضت له الزميلة فدوى شطورو، صحفية في قسم الأخبار في القناة الوطنية الأولى (التلفزيون الرسمي)، إذ تعرضت لحملة سخرية وتنمّر واسعة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي يوم تغطيتها التفجير الذي حصل قرب مقر السفارة الأمريكية في العاصمة التونسية. لماذا؟ لأنّ المراسلة النشيطة أطلّت على الناس بلا ماكياج ولا شعر مصفف، إذ ركضت لتغطية الحدث ولم تفكّر بأناقتها وشكلها، إلا أنّ هناك من اعتبر أن من حقّه محاكمة فدوى لأنّها ظهرت على طبيعتها وبلا "روتوش". وانهالت التعليقات المؤذية والمهينة، حتى أن حدث التفجير أصبح ثانوياً مقارنة باهتمام الناس بإطلالتها.

إن أردت ان اتحدث عن تجربة شخصية، أيها القُرّاء، فأنا في العديد من المرات كنت ضحية لعدة مواقف تنمر، حتى من قبل اساتذتي للاسف، ولكن الفرد لا يجب ان يتوقف على الالفاظ والكلمات، بل عليه ان يصمد ويواصل المضي قدما، يؤمن بنفسه وبقدرته على الوصول وتحقيق ما يريد "Don't Give Up ... Just Be Yourself".