هل من قضاء عادل في تونس ؟


"تلاعب ورشاوي" هذا أبرز ما جاء في تصريح الفنانة بثينة محمّد يوم الخميس7 ماي 2022 اثر صدور حكم غيابي ابتدائي ضدها يقضي بسجنها ثلاث سنوات نافذة في ما بات يعرف بقضيّة "الكوكايين"، وقد اتهمت الفنانة بتصريحها الى متهم آخر في نفس القضيّة بدفعه رشوة مقابل الحط من عقوبته الى سنة سجنا.هذه الحرب الكلاميّة الى البحث ع مفهوم العدالة نظريا وتطبيقا في القضاء التونسي خصوصا و انه قيد الاتهام طيلة الفترة الماضية من أعلى هرم في السلطة وصولا الى المواطن البسيط الذي يطرح السؤال حول العدالة هل هناك عدالة للأغنياء وأخرى للفقراء؟ 

"العدل أساس العمران" هكذا قال العلامة عبد الرحمان ابن خلدون في كتابه المقدمة منذ سبعة قرون خلت، والعدالة هي العمل وفقا لمتطلبات القانون سواء ارتكزت هذه القواعد على الإجماع البشري او على المعايير الإجتماعيّة، والعدالة هي مفهوم واسع ينادي به كل الشعوب نظرا لأهميتها في خلق نوع من المساواة بين مختلف أبناء الشعب الواحد. ويناط بعهدة السلطة القضائية السهر على تطبيق القانون وإحقاق العدل و قد أقر دستور الجمهوريّة التونسيّة بالمساواة بين جميع المواطنين و المواطنات امام القانون دون تمييز بينهم على أي اساس. 

هذا المرفق شهد حملة تشكيك في استقلاليته وبالتالي في قدرته على احقاق العدل بين الناس خصوصا مع ما طفى على الساحة بين الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد ووكيل الجمهوريّة البشير العكرمي من تراشق بتهم فساد مالي وكسب غير مشروع وأخرى تتعلق بالأمن القومي. 

وطالت تهم كثيرة مناصب عليا داخل السلطة القضائية. وزعزعت مجددا ثقة المواطن/ة في هذا المرفق، خصوصا مع تصريحات رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد مشككا نزاهة في بعض القضاة واساسا في استقلالية المجلس الأعلى للقضاء الذي أقدم على حلّه في 12 فيفري 2022 مما ينعكس سلبا على ثقة المواطن في هذه السلطة.

عدالة للفقراء وأخرى للأغنياء؟

تعتبر المساواة أمام القانون قاعدة أساسيّة في حقوق الإنسان. وهي من أهم المبادئ الإنسانيّة التي تحرص الأمم والشعوب على التمسك بها و دعمها في مختلف نواحي الحياة، إذ لا ينبغي أن تقوم في المجتمع البشري اي فوارق نابعة من اختلاف الأصل او العرق او الدين او الجنس او اللون. 

وإن لم يتعرض القضاء التونسي الى التشكيك في عدم تمييزه بين المواطنين والمواطنات وفق ماسبق ذكره من عناصر، وانما تعرض الى حملات تشكيك في اقامته للعدل بين الفقراء والأغنياء اي من يمتلكون المال مقابل من لا مال لهم. وعلى خلاف ما ذكرناه حول قضيّة الطيّب راشد و البشير العكرمي فإن بعض القضاة الآخرين قد تلقاو رشوة من قبل احد الخصمين في قضيّة ما من أجل الحكم لفائدته او الحط من عقوبته قدر الإمكان أو تسوية وضعيّة له. ولعلّ ابرز ما نستدل به هو عقوبة العزل التي سلطها المجلس الأعلى للقضاء المنحل ضد قاض ثبت تلقيه رشوة قدرها 10 الاف دينار من مواطن للتدخل لفائدته. 

وعودة على تصريح الفنانة بثينة محمّد التي هددت وفق قولها ب"كشف كل الحقائق" حول ملابسات هذه القضيّة وأطوارها علما وانها اشارة الى انه تم دفع اموال طائلة فيها. ولئن نتخفظ على هذه التصريحات الى ان نتبيّن حقيقتها.

إنّ المطالبة بالشفافيّة وحسن سير مرفق العدالة أمر بديهي من المواطنين والمواطنات البسطاء الذين لا نسمع عن قضاياهم شيئا. ولكن الأمر يتحول إلى قضية رأي عام حين يتعلّق الأمر بقضايا المشاهير والفنانين والسياسين. وهو ما يشعر البسطاء بالتمييز بينهم وبين اصحاب الجاه والمال حتى في المصاب الجلل. 

ان كانت الاتهامات المنسوبة الى مرفق العدالة نسبيّة ومبالغ فيها في كثير من الأحيان، الا أن اهل الاختصاص لا ينفون وجود اخلالات عديدة تشوب السلطة القضائية من بينها الفساد الذي يجب معالجته في اقرب وقت نظرا لانعكاساته المباشرة على السلم الاجتماعي.