البراكاج: ظاهرة خطيرة يعاقب عليها القانون لكن دون جدوى



يعتبر مقتل فتاة الثامنة عشر ربيعا يوم 10 أفريل 2022 بمحطة القطار بئر الباي بعد اقدام شاب على محاولة افتكاك حقيبتها ليجرها بذلك الى حتفها بين سكك الحديد، حادثة مؤلمة. ولكنها من ضمن عديد الحوادث المشابهة لها والتي راح الكثيرون والكثيرات ضحية "براكاج " قاتل. لم تكن مجرد حوادث معزولة وانما أصبحت ظاهرة تثقل كاهل المجتمع اذ صارت محاربتها ضرورة قصوى سواء من الناحية القانونية و كذلك الإجتماعية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ السرقة هي المصطلح القانوني لما نطلق عليه " البراكاج ". وقد فصلت المجلة الجزائية التونسية أنواع السرقات وغيرها مما هو مشابه لها كما جاء في القسم الثاني من المجلة المذكورة، حيث خصص 23 فصلا لهذا الغرض. أمّا فيما يتعلق بالسرقة باستعمال العنف في الحوادث الآنف ذكرها ونقصد هنا عمليات "البراكاج "، فقد نص الفصل 260 و261 و262 جملة من العقوبات، اذ انها تتراوح من السجن الى مدى العمر الى 12 سنة. فالجاني الذي يقوم بتنفيذ عملية براكاج لشخص ما وتتوفر يوم الحادثة الظروف الآتية اثناء وقوع الجريمة وهي :

  • أولا، استعمال العنف الشديد او التهديد به حتى لاحد اقارب الضحية
  • ثانيا ان يسرق متخفيا أو أن يقوم ينتحل صفة او زي موظف عمومي أو أن يدعي أنه يملك اذنا من السلطة العامة
  • ثالثا، اذا كانت الحادثة ليلا
  • رابعا إذا كانوا مجموعة من الأفراد
  • خامسا اذا كان الشخص او المجموعة يحمل احدهم سلاحا يظهره او يخفيه.

فبتوفر كل هذه الحالات يعاقب الشخص او المجموعة بالسجنى مدى الحياة حسب منطوق الفصل 260 . أما اذا كانت اذا توفرت فالسرقة الشرطين الأول و الثاني المذكورين فإن الشخص يعاقب بالسجن 20 عاما حسب الفصل 261. أما اذا توفرت فقط الشرط الثالث و الرابع والخامس فقط، فان العقوبة المستوجبة هي 12 سنة فقط حسب الفصل 262. هذا ويذكر أن ما يراج حول عقوبة ال 15 سنة لمنفذ عملية البراكاج ايا كان درجة خطورته فانه لا أساس له من الصحة و ما ذكرناه فقط من عقوبات هو المنطبق في المحاكم التونسية اما في حالة وفاة الضحية جراء عملية البراكاج فإن التهمة تتغير.

السرقة المؤدية إلى الموت

في كثير من الأحيان، مثل الحادثة التي وقعت مؤخرا في بئر الباي للفتاة التي توفيت اثر عملية سرقة، فإن الجريمة يمكن ان تكتسي صبغة القتل العمد الذي نص على معاقبة المعتدي  بالسجن مدة عشرين عاما كل من يتعمد الضرب أو الجرح الواقع لكن بدون قصد القتل، والذي نتج عنه الموت. ويرفع العقاب إلى السجن بقية العمر في صورة سبق النية بالضرب والجرح. و يعني هذا الفصل أنه في صورة ما اذا تم ضرب الضحية بنية السرقة مثل دفع الضحية او جره فانه يعاقب بالسجن مدة 20 سنة. أما اذا كان المعتدي قد تعمد ضرب وجرح الضحية مسبقا و أدى ذلك الى فقدان حياته في عملية البراكاج فانه يعاقب بالسجن مدى الحياة.

هنا قد يخامرذهن القارئ سؤال: كيف يمكن التمييز بين هاتين الحالتين ؟ ان الأمر متروك إلى دائرة الاتهام والى التحقيقات التي ستجرى وبطبيعة الحال إلى القاضي الذي سينظر الى القضية والذي ستجتمعه له كل الأدلة والمعطيات على هذه الحادثة. هذه النصوص القانونية و العقوبات المنصوص عليها تعالج جزء من الظاهرة التي يجب ان نتصدى لها في عمقها ومن اسبابه الاجتماعية منها خاصة.

الفقر كمحرك أساسي للسرقة

إن المعالجة الأمنية والقضائية لظاهرة العنف عامة ولظاهرة السرقة خاصة لم تؤتي اؤكلها، خاصة وان نسبة الحرائم العنيفة ارتفعت بنسبة 70% سنة 2020 حسب الباحث الاجتماعي سامي نصر. وبالتالي فإن المعالجة يجب ان تكون شاملة بدآ بالناحية الاجتماعية والاقتصادية، إذ أن بعض مرتكبي هذه الجرائم هم من فئات تعاني مشاكل اقتصادية دفعتهم الى ارتكاب هذه الأفعال.فمع تدهور المقدرة الشرائية للمواطن التونسي، نلاحظ شيئا فشيئا ارتفاع هذه الظاهرة من سنة 2011 الى الآن اضافة الى تراجع الدور الثقافي للتصدي لهذه الآفة.

لعل ابرز رقم نستدل به على هشاشة الجانب الثقافي وتراجع دوره في التصدي للجريمة هو حجم الميزانية المخصصة لوزارة الثقافة حيث انها لا تتجاوز الـ 1%  افضل الأحوال والتي يصرف جانب مهم منها في سداد الأجور. لهذا، فإن المعالجة الثقافية لمثل هذه الظواهر أمر مهم للغاية نظرا لاستهدافه لكل الشرائح العمرية و خاصة الناشئة والشباب/ات سواء من خلال الأعمال الدرامية التي لاحظنا ارتفاع منسوب العنف فيه مقابل غياب برامج او اعمال درامية تنبذ هذه الظاهرة. وبالتوازي مع ذلك تغيب ايضا الومضات التحسيسية التي من شأنها تنمية الوعي بالعواقب الوخيمة التي يتكبدها الجاني و الضحية على حد السواء.ذ

و يذكر في هذا الإطار أن مع كل حادثة مماثلة تتعالى الأصوات المطالبة بتطبيق عقوبة الإعدام عوض البحث عن معالجة عمق الظاهرة. إضافة الى ذلك ينادي البعض بتنقيح المجلة الجزائية الصادرة سنة 1913 لتتماشى و تطور الظاهرة و تفاقمها.