لماذا ألجأ أنا الصحفي بالإذاعة العمومية إلى إذاعة خاصة بحثا عن الأخبار؟


 
هذا مجرد رأي حول الإذاعة العمومية بمناسبة عيدها الأممي. وإن كان متأخرا قليلا، لكنه ضروري. وتأخره جاء لقراءة أكثر ما أمكن، ما يعبر عنه الزملاء بمناسبة هذا العيد، باعتباري من ضمن الذين يحصلون على أجرهم الشهري من الإذاعة العمومية. وما يزال الاهتمام مركزا حول المكاسب الاجتماعية والتكريم وحفلات الصور. لكن لا أحد يسأل: لماذا لا تحتل الإذاعة العمومية مكانها الطبيعي على رأس الإذاعات؟ لماذا ألجأ إلى إذاعة خاصة بحثا عن الأخبار؟
 
إن مرجع السؤال يفترض أن الإذاعة العمومية غير خاضعة لضغوطات التمويل ولا للسياسة ولا للخوف من الطرد بسبب بند الضمير أو لأي خلاف سياسي أو إيديولوجي مع إدارة الإذاعة أو حتى مالي. وذلك لأنها فرضت على موظفي المؤسسة قواعد مهنية قارة ومعلومة. فالمؤسسة تمول إجباريا من المال العام مقابل خدمة الصالح العام، عن طريق الموضوعية المهنية والحياد. وليس للانخراط في سياسة الحكومة أو الرئيس أو أية مؤسسة دستورية أو حزب أو جمعية تأثير على عمل الإذاعة العمومية. دون أن ننسى مبادئ الفصل بين الإدارة والتحرير التي تم فرضها بعد 14 جانفي 2011.
 
هذا يدفعنا إلى طرح مجموعة من الأسئلة الأخرى:  أين تقف الإذاعة العمومية اليوم من القضايا الوطنية الكبرى؟... ما هي المسافة المهنية التي تفصلها عن السلطة والسياسة؟..... وخصوصا، لماذا تتخلف في مستوى المتابعة عن الإذاعات الخاصة؟.... لم يحدث بالإذاعة العمومية أو حتى بالإعلام العمومي بصفة عامة، أن طرد أحد من أجل خلاف سياسي أو مهني.
 
إذن، أخي وزميلي بالإذاعة العمومية، أنت تحب السلم الاجتماعية والمنافع وحصص التكريم، لكن كيف تبرر فشلنا الواقعي في احتلال المراتب الأولى في نسب الاستماع؟....وهل ترى أن تلك المنافع شرعية وأخلاقية في ظل تردي نسب الاستماع إلى الإذاعة العمومية لتردي قيمة الإنتاج وتراجع المواصفات المهنية؟....  وبما أنه ليس لنا ما نشكوه على مستوى الجانب التقني من حيث جودة التسجيل والبث باستثناء حالات نادرة، فإنه من حق الزملاء التقنيين عدم إقحامهم في هذا الموضوع.
 
لكن لدي خبر لكم...كما تعلمون، يوجد بتلإذاعات العمومية عدد من الكفاءات قادرة على تحويل الإذاعة العمومية في بضعة أسابيع إلى الإذاعة الأكثر  استماعا في تونس وخارجها. لكتن الفرق بين الإذاعة الخاصة والإذاعة العمومية، هو إما أن يكون لك مشروع وأن تعمل على الاستثمار في تلك الكفاءات إنتاج محتوى إعلامي يشدّ إنتباه المستمع، أو أن تعمل على تحويلها إلى قوادين ومداحين على طريقة "يا سيد الأسياد" و تقوم بقراءة التنبؤات وفق ما يناسب مزاجك وتحالفاتك الوهمية المؤقتة، وأنت تعرف جيّدا أنّك لن تحاسب أبدا، وأن امتيازاتك ستستمر بالنمو في الوقت الذي تغرق فيه إذاعتك، إلى أن يتم التخلص منك إلى إدارة مؤسسة عمومية مصادرة حيث يتجاوزك أجرك عشر مرات ما تحصل عليه اليوم. وفي أسوأ الحالات، أنت أصبحت عالة إدارية على الدولة وعلى الشعب التونسي.... أصبحت مديرا لإذاعة مصادرة، لا أحد يحاسبه أو يسأله عن فشله.
 
بمناسبة اعيد الإذاعة العالمي وفي ظلّ تحدياتها، ليست الإذاعة إدارة بيروقراطية ولا مزرعة خاصة. إما أن تنجح وتبقى في التاريخ، وإما أن تفشل. لاحظ أنك تفشل، سيدي، وأن كل ما يحدث من تكريم، لا علاقة له بتردي أوضاع الإذاعة، حيث يفترض أن يكون اليوم العالمي للإذاعة فرصة للتأمل على الأقل، وليس للاحتفال.