عن تضخم الأنا ومرض نرسيس في إعلام "ترشيش" بتونس


ثمة حقيقةً مرض مستفحل في الإعلام التونسي لابد من التصريح، به لعلنا نسارع في العلاج بعد التشخيص والتمحيص وبعض من التوصيف الحصيفإذا كانت العناوين هي العتبات الاولى للكتب وفاتحة الإغراء بالقراءة، فإن عناوين كثير من البرامج الاذاعية والتلفزيونية في تونس ليست أكثر من مطبات بل عتبات منفرة من الإقبال على استهلاك المحتوى ، ونحن في عصر صناع المحتوى ما معنى أن تتناسل أسماء البرامج من بعضها حتى تتشابه علينا بالنسخ واللصق والاستنساخ الرديء الذي لا يكشف الاّ عن تورم مرَضي وانتفاخ مبكر للأنا وبروستاتا غير طبيعية في أوانها وهوانها (وبعضهم من الأصدقاء)؟ لكن كلمة الحق تقال وليغضب من يغضب

استعرضوا فقط أسماء البرامج المتناسلة والمسلوقة حديثا وستفهمون قصدي : مع علاء ، فكرة سامي الفهري ، احكي مع الجيس ، عبدلي شو تايم ، جاوب حمزة … وغيرها كثير في اذاعات وقنوات رديئة قد لا ينتبه إليها أحد …نجيب الخطاب وما أدراك (رحمه الله) ومعه صالح جغام في ذاك الزمن الجميل، لم يسم برنامجه مع نجيب أو إسأل الخطاب أو أجبه، رغم أنه كان خطيبا وخطابا مفوها في المباشر والمسجل وله من اسمه نصيب من حيث النجابة والخطابة. أراهن بعضهم أو كلهم إن كان قادرا على الارتجال مثله، أو إجراء حوار بلغتين أو ثلاث أو حتى بلغة واحدة عربية فصيحة لا عربية فضيحة ولا متقعرة طبعا …

قد يحتج البعض بأن هذه الظاهرة موجودة في الغرب مع أوبرا وينفري أو The late show with Stephan Colbert أو Larry King live أو ،International Amanpour على محطة سي ان ان أو هي ربما جاءت من الشرق ومن مصر تحديدا مع منى الشادلي مثلا… لكن هؤلاء قامات ومقامات شاهقة ولم يختاروا هذه الأسماء الا بعد مسيرة مهنية طويلة وتدرج وتفرد في المهنة وحرفة الحوارات …

أنا أعرف في تونس قديما من الأسماء التي اقترنت بوجوه بارزة مبرزة في الشاشة فقط : اشكي للعروي ، وهو شعار ردده التوانسة واحتفظت به الذاكرة تأكيدًا لخيبة المسعى وبؤس الحال وتخليدا لاسم عبد العزيز العروي وحكاياته الشهيرة وعبره الأثيرة… ويبدو أنه سيظل ملاذنا الاخير للشكوى من تضخم هذه الأنوات (جمع أنا) الفارغة، وتطاولها في بنيان الأسماء والبرامج وضيق أفقها وشح خيالها في اختيار التواضع والاسم المناسب القريب ، لا الاسم المتعالي الغريب ،دون وجه حق أو أي عبقرية تذكر …

 

* ترشيش : من الأسماء القديمة لتونس

 

تعليق جديد