رحلتي مع ناظم البحري منقذ ابنائنا من براثن الحرب بأوكرانيا


 تبدأ رحلتي مع قهوة الصّباح ، ذات يوم كان تاريخه 24/02/2022 قبل السّاعة الّسابعة صباحا لأنّني تعوّدت على أن ترافق رشفاتي أخبار الإذاعة الوطنيّة الأولى، بقي ذلك التّاريخ ومن بعده غابت التّواريخ إلى صباح آت بعد دهر. توقّف التّاريخ حينها وبدأت الرّحلة. انهرت ... ولا أجد وصفا للانهيار غير أنّ ارتعاشة ألمّت بجسدي وجفاف ما تمكّنت الجرعات المتتالية من ترطيبه في حلقي. روسيا تجتاح الأراضي الاوكرانيّة.. المجال الجوّي مغلق... تسمّرت في مكاني آنذلك... هي حالة هستيرية انتابتني... ومما لاشك فيه أنّ في ذهن كلّ وليّ صورة لابنه أو ابنته يخشى عليها من التّلاشي..يستحضرها... يبكي .... أو بالأحرى ينهال الدّمع سيلا ...

خلال تلك الساعات التي عاشها كل مع ولي مع ابنه أو ابنته، حاول البعض الوقوف صامدا. فالمخاطَب هناك بعيد، وفي رأيهم، لا يجب أن يراه منهارا. كان كل وليّ يقول لنفسه "أنا مصدر قوّته، لأبتسم وأنا أخاطبه ، لأهوّن عليه وهو يسمع دويّ انفجار تهتزّ لها الأركان ، لأشجّعه وأقول له : ما هي إلاّ لحظة وسينتهي كلّ شيء".  ولكنّي كنت أدرك انّ اللّحظة عنده هي إطار زماني حدوده مجهولة ومنتهاه غير معروف. الحرب تفرض علينا أن نتوهّم الجميل ونؤمن بأنّ الانفراج قريب... تفرض علينا أن نؤمن "الحمد للّه أنّنا نؤمن"، أن نبتسم.... ، نبتسم وفي العقل ارتباك وتيه وضياع .

من هو ناظم البحري ؟

إنّ الحرب في عقول السّاسة عبث....مصلحة... الحرب أسطورة تأبى الزّوال... دمّرت إنسانيّتنا فأصبحنا نراها مألوفة رغم بشاعتها....ومقبولة رغم ظلمها. هكذا تصبح العادة عابرة صورها، لا تحرّك السّواكن إلاّ بين فينة وأخرى، يذكّرنا أحدهم - متى أراد ذلك - بأنّ الإنسان فينا يجب أن يستفيق ويتحرّك، غير انّ إنسانا عظيما هناك في اوكرانيا تحرّك وأيّ تحرّك .... المسألة ليست شخصنة، فهذا الإنسان العظيم لا يعرفني غير انّي عرفته... عرفته خلال رحلة هروب أبنائنا من براثن الحرب... أبناؤنا الّذين تشتّتت نظراتهم في متاهات غد مجهول و تحوّلت حياتهم إلى قصف ورعود وصفّارات الإنذار من كلّ جانب، والأقبئة مسكن بعضهم.

وسكن الخوف إليهم حين كان بصيص الأمل خافتا باهتا، لولا وجود أب روحيّ يضمّهم ويحتضنهم. تكرّرت نداءاته إليهم بأن يلزموا أماكنهم... وجدت نفسي أتابع باستمرار فريق الفايسبوك " طلبة تونس في اوكرانيا ".

ابنة أختي ذكرتني بقيمة الإنسان

 صحيح أنّ ابنة اختي موجودة مع مجموعة من الطّلبة... صحيح انّ ذاك التّاريخ 24/02/2022 أوقف إحساسي بالزّمن واوقف متابعتي للتّواريخ وجعل الإحساس بالوجود كالعدم ومباهج الدّنيا... أصبحت بلا معنى غير انّ قيمة فرضت ذاتها : قيمة الإنسان . أجمل هديّة من ربّ الكون هو أن تجد إنسانا نبيلا ...نبيل صبرك سيّد ناظم، نبيل تفهّمك لطلبة لا يفقهون ما يقولون احيانا، ذووا عناد، ذووا جهل بتدبير الأمور كيف يكون ... تفهّمت كلّ ذلك، فشكرا.

هم يجهلون انّك قرنت الّليل بالنّهار، وانّ هاتفك المشغول دوما كان من أجل التّنسيق مع مختلف الأطراف لتأمين عودة أبنائنا سالمين إلى وطن يحنّ لأبنائه غير انّه أحيانا يتراخى، عودتهم سالمين إلى آباء ضحّوا بالغالي والنّفيس من أجل تحقيق حلم جميل لأبنائهم ومستقبل أفضل، ليس طمعا ولكن ايمانا بأنّ أرض الله واسعة... عودتهم سالمين إلى أمّ، آه، تخنقني العبرات لأنّني أمّ، وأعلم معنى ان تتدثّر امّ وتنعم بدفء - ان كان ذلك فعلا - وهي تدرك انّ ابنها هناك يرتجف خوفا وبردا، ينتظر، وماذا عساه ينتظر في كلّ لحظة ؟

شكرا للإنسان ناظم البحري

 شكرا وتحيّة إكبار لك سيّدي الإنسان، أجل احتضنت أبناءنا، أبناء وطنك، تحوّلوا بفضلك أبطالا، صبروا، التفّوا حولك وسلّموا أمرهم إليك، ما كانوا ليفعلوا ذلك لولا ثقتهم الكبيرة بك ولولا ثقة الأولياء أيضا. هؤلاء الأولياء الّذين التفّوا حولك وأنشأوا حساب واتساب لمرافقتك وأبناءهم في الرّحلة، نسبوا أبناءهم إليك " رحلة طلبة ناظم ".

وأيّ حمل ثقيل هذا الذّي وُضع على عاتقك ؟ حمل بدا ثقله من خلال الفيديوهات الّتي تنشرها بين الحين والحين : عيناك، صوتك، إحساسك العميق، كلماتك المطمئنة، كلّها تبلغ عنك... ما أجملك حقّا سيّدي، ما أجمل صدقك، ما أجمل ايمانك برسالة سخّرك القدر لتأمينها، أنت والفريق الذّي أشرف على كامل الرّحلة.

 تفاصيل الرّحلة بمشاقّها، بألمها، كلّها كانت تتابعها عيون آباء وأمّهات نسيت النّوم لساعات، وكيف تغمض الأجفان وفلذات الكباد في طريق محفوف بالمخاطر، لم تنم العيون ولم تهدأ العقول إلى ان وصلوا إلى حدود رومانيا ودخلنا رومانيا، وعاد التّاريخ 01/3/2022 فشكرا .

شكرا لأنك أعدت إلينا ابتسامتنا وإن مسحت دموعنا وإن جعلت أبناءنا فخرا لنا بصبركهم، بتحدّيهم، بإصرارهم . شكرا لأنك علّمتهم أنّ بعد العسر يسرا وانّ اليسر لا يكون بالتّسرّع أو فقدان السيّطرة على العقول والقلوب وإنّما بعد تروّ ودراسة.

شكرا لأنك علّمتهم انّ المسؤوليّة ليست كلاما رنّانا برّاقا فارغا من المعاني بل هي صدق قول وفعل وتنفيذ وعد. شكرا لأنك علّمتهم وعلّمتنا انّ الأمانة كنز نحافظ عليه ولو كلّفنا ذلك حياتنا وعرّضها للخط.

 شكرا لأنك علّمتني معنى القدوة فليست القدوة التّبجّح بجمال مقنّع، زيف، فراغ، سفاسف قول، ليست القدوة ابتعادا عن الهويّة، مصلحة ضيّقة تسخر من الذّقون .... علّمتني انّ القدوة تضحية، تحدّ، إصرار، ايمان بأنّ الأهداف النّبيلة التّي تخدم الإنسانيّة هي الباقية.

ليس الأمر شخصنة أو تأليها كما قد يعتقد البعض، غير انّي مؤمنة بأنّ الّلحظة جعلتك خير قدوة كما انّني مؤمنة بأنّ صورتك ومواقفك ستبقى راسخة لدى كلّ من رافقته عيناك وانّ ذكرك سيبقى وانّ حكايتك وحكايتهم ستبقى بطولة تُروى عبر الأزمنة . فشكرا لك سيّدي أوّلا ولكلّ من ساعدتك في نجاح مهمّتك وشكرا لأبنائنا وللأولياء على صبرهم وتفهّمهم ومرحى لهم بأبناء عظماء.

 


ملاحظة: للتعرف إلى طريقة التحقق من المعلومات، تابعوا نصائحنا عبر ما نقدمة من فيديوهات بمنصة Tiktok- تابعوا سلسلة How to check. يمكن أيضا تحميل دليل التجقق من المعلومات.

1 تعليق

  • Personnellement je trouve ça vraiment incroyable la façon dont vous ecrivez très chère nous touche au cœur en lisant ce que vous avez écris j'ai eu une autre vision de cette guerre et j'ai adoré votre description de la notion du temps perdu je vous encourage à continuer et je suis impatiente de lire un autre de vos chef-d'œuvres

تعليق جديد

سهام كاترو




سهام كاترو