النقل العمومي في تونس : بين تذمر المواطنين وإستهتار الدولة


ما إن تصل إلي محطة المترو الخفيف ببرشلونة حتى يترأي لك عدد من المسافرين ينتظرون قدوم عربة المترو الخفيف الذي تأخر لدقائق تصل أحيانا إلي الساعة أو أكث، تسمع إحتجاجهم ويشد إنتباهك وجوههم التي تعبر عن أوجه من الغضب والإشمئزاز . يصلنا تذمرهم من بعيد مرددين : لقد تأخرنا عن مواعيدنا". جميعهم يتساءل عن أسباب تأخر المترو من جهة وعدم توفر العدد الكافي من عربات المترو من جهة ثانية لكن لا من مجيب.  "ماذا يحدث" إستمع إلي تشاكيات المواطنين حول رواياتهم التي لا تنتهي مع النقل العمومي الذي يعاني عدة مشاكل لم تستطع الحكومات المتعاقبة إصلاحها أو إيجاد حل لتوفير رحلة آمنة للمواطنين في تنقلهم إلي أماكن عملهم أو دراستهم.
 
سامية (طالبة بالمركب الجامعي بمنوبة) تستيقظ كل صباحا كعادتها لتلتحق بدروسها على الساعة الثامنة صباحا لكن تأخر المترو يمنعها عن ذلك حيث تقضي أغلب الوقت في الإنتظار.  تقول سامية وقد بدت متوترة خلال حديثنا إليها: "أضطر إلى الخروج من المنزل على الساعة السادسة ونصف صباحا لكن بسبب تأخر المترو لا أصل إلا بعد إنتهاء الحصة الأولي من الدرس ".
 
رحلة شاقة لا تنتهي 
 
ما إن تمر أول عربة مترو بعد طول إنتظار حتى ترى الجميع يتزاحمون ويتدافعون وكأنها معركة عظيمة على ثروة كبيرة. إكتظاظ وتدافع بالعشرات وراء كل عربة مترو قادمة من أجل الظفر بمقعد داخل عربة المترو بعد سويعات من الإنتظار. شباب أو كبار في السنّ، رجالا أو نساء، أكبر أمانيهم الحصول على مقعد والوصول إلى وجهتهم بأمان. ما إن يبدأ المترو رحلته حتي تبدأ المعاناة الحقيقية. في محطة المترو بباب سعدون تتعالى  الصراخات ويبدأ الشجار بسبب الإكتظاظ، إذ كل يريد الوصول إلى مقر عمله أو دراسته وليس أمامه حل سوى أن يركب عربة المترو التي لم تعد قادرة على تحمل هذا الكمّ الهائل من المسافرين.
 
حتى أبواب المترو لم تعد قادرة على الغلق من شدة الاكتظاظ، إذ بركوبك المترو تسمع صراخ المسافرين. وتشتد المناوشات بينهم تصل إلى حد التراشق بالكلمات البذيئة، أحدهم يحاول الصعود وسط هذا الهم الكبير من الناس وآخر يرغب في النزول بعد أن وصلت إلي وجهته. كانت تحمل ابنها الصغير بين ذراعيها وتتشبث بعربة المترو وكأنها في حرب همها الوحيد هو الوصول إلي المستشفي في الوقت المحدد فهي تنتظرها رحلة أخري من العذاب وهي رحلة الاكتظاظ وانتظار قدوم دورها في المستشفي العمومي لتعالج ابنها الصغير الذي لا تكاد تري وجهه من كثرة الاكتظاظ . تقول سميرة حول هذا الموضوع :" ليس لدي حل سوى النقل العمومي. يعاني ابني الصغير من مرض وأحاول نقله إلى مستشفى بشير حمزة لمعالجته وكلما تأخرت بسبب النقل العمومي يتم تأخير موعد العلاج إلي وقت لاحق ". 
 
قصص متشابهة تعبر عن أزمة النقل العمومي في تونس وإن إختلفت وجهتهم وطريقة تعبيرهم عن غضبهم ، الجميع يتفق أن النقل العمومي يعاني منذ سنوات من عدة مشاكل وهي التأخير، عدم توفر عدد كافي من العربات ومن الاكتظاظ.
 
كورونا كشفت عن وجه اخر من أزمة النقل العمومي   
 
لقد عمقتجائحة كورونا  أزمة النقل العمومي ولم يأخذ أي مسؤول أو عضو حكومي هذه المسألة ضمن الملفات التي لا بد من تناولها بالنقاش والاهتمام الاقصى. كما لم تضع وزارة النقل إستراتيجية لحماية المسافرين من إنتشار عدوي كوفيد 19. فالاكتظاظ يؤدي إلى إنتشار أكبر للعدوى بين المسافرين نتيجة لعدم توفر النقل وأخذ العامل الصحي بعين الاعتبار، وذلط بتوفير عدد أكبر من عربات المترو الخفيف.
 
أما المسافرون الذين يتحملون جزءا من المسؤولية في الحفاظ عن أنفسهم، فرغم وعيهم بهذه الأزمة، تسمعهم يرددون : 'كورونا وإكتظاظ غير منطقي ". تراهم يعبرون عن غضبهم من الحكومة التي لم تولي أي إهتماما لهذه الفئة من المسافرين الذين يستخدمون النقل العمومي في كل رحلاتهم إلا أنهم لا يحترمون البروتكول الصحي .فرغم المرسوم القانوني حول الخطية المالية  لمن لا يرتدي الكمامة، قليل من يرتدي الكمامة. وبسؤالنا لأحدهم عن سبب عدم إرتداء الكمامة، أجاب بكل سخرية : "بعد هذه الرحلة الشاقة في النقل العمومي يصبح التفكير في صحتك أو حماية نفسك أمر تافه. لا يوجد فرق بين أن تموت أو أن تحيا المهم أن أصل إلي عملي ." 
 
 ناقوس الخطر  
 
ما إن تصل إلى محطة باردو حتّى يدق سائق المترو ناقوس الخطر ويتوقف لسويعات بسبب أشغال على مستوى الخط رقم 4. ترى الجميع يتذمر ويبدو أن الرحلة لازالت طويلة حتي تسمع صوت سائق المترو يقول : 'الرجاء الانتظار.. سنضطر إلى التوقف حتى يصل المترو الآخر ثم نوصل رحلتنا". وكأنه يحاول تهدئة المسافرين الذين فقدوا الأمل في الالتحاق بمقر عملهم أو دراستهم أو وجهتهم المخصوصة في الوقت المحدد.
 
المترو الخفيف ليس مجرد وسيلة نقل تحمل المسافرين وإنما عالم مليء بالحكايات.. عالم يخفي صراعا عظيما بين مواطن فقد الأمل في الخدمة العمومية وبين دولة تسجل حضورا أشبه بالغياب لإنهاء أزمة النقل العمومي .

تعليق جديد

فاتن الحويمدي




فاتن الحويمدي