ما يجب أن تعرف: الفرنكوفونية ليست فرنسا


نعاني كتونسيين من صعود فكر "الفراريزم" وتظاهر ذلك مع القمة الفرنكوفونية التي نُظمت في جربة، كالعادة قليل من التأطير التاريخي ونبدأ بمفهوم الفرنكوفونية.

أولا، الفرنكوفونية مفهوم لم يُخلق في فرنسا وإنما كوصف للدول التي تتحدث الفرنسية كإحدى اللغات. ثانيا، الفرنسية كلغة لم تأت إعتباطا وتاريخيا كل دولة وكيف خُلقت فيها مسألة النطق بالفرنسية.

في أمريكا الشمالية وبين 1534 و1763 فرنسا إستوطنت ثلث أمريكا الشمالية أين أسست فرنسا الجديدة وإنتقل عديد المستوطنين بهدف تأسيس دولة جديدة هناك لتكون مصدرا لحركية إقتصادية كبيرة وهذا ساهم في إنتشار إستعمال اللغة الفرنسية.

أما عن نشأة المنظمة الفرنكوفونية، هذه المنظمة لم تكن مبادرة فرنسية، أصلا تأسست في 1970 يعني أكثر من عقد بعد نهاية الحقبة الإستعمارية في أغلب الدول المنتمية لهاته المنظمة والمبادرة جاءت من السينيغال وتونس والنيجر وكمبوديا، من كانوا يعتبرون اللغة الفرنسية "غنيمة حرب" وفعلا عرفوا كيفية تحويل اللغة لغنيمة تجلب المال بما أن إعتماد اللغة الفرنسية في التعليم جلب دعما ماديا لقطاع التعليم، حصر المنافسة على السوق الفرنكوفوني، تدعيم التعاون الدولي والفني مع الدول الفرنكوفونية.

في القرن 19 بدأ تأسيس الإمبراطوريات الإستعمارية الكبرى وعلى عكس ما قام بيه البريطانيون من تهميش للتعليم في مستوطناتها، الفرنسيون فرضوا إجبارية التعليم في مستعمراتهم مما ساهم بشكل كبير في نشر اللغة الفرنسية وحتى في خلق النخبة المثقفة التي أخرجت الإستعمار في ما بعد. (وهذا من الأسباب التي جعلت الكثير يكرهوا فرنسا لأنها أغلقت الباب أمام التعليم المتخلف للكتاتيب وبالتالي قلصت نفوذ الشيوخ وسلطتهم المحلية).

المنظمة الدولية للدول الناطقة بالفرنسية تحولت من فضاء ثقافي/لغوي لمنظمة سياسية إقتصادية بإمتياز (للي فهم ذلك) من 21 دولة عضوة ناطقة بالفرنسية مؤسسين أصبحت 54 دولة لها العضوية. وبدأت دول تهتم بهذه المنظمة وتريد ان تصبح عضوة ولكن حاليا 7 دول لها صفة دول شريكة ومن جملتها الإمارات العربية المتحدة و قطر. ودول مثل كوستاريكا أين يدرسون الفرنسية 3 سنوات، وكوريا الجنوبية التي تعرف من الفرنسية سوى "رينو و بيجو و ديور و شانال و ولاية لويزيانا في أمريكا" التي هي مسمات على إسم ملك فرنسا والتي كانت تابعة فرنسا وإيرلندا.  فالمنظمة الفرنكوفونية فيها ككل 88 دولة وتوسع نطاق مهامها لدرجة إلى أن أصبح البعض يتحدث على جمعية عامة للأمم المتحدة موازية.

وهذا الفضاء فيه 322 مليون ناطق بالفرنسية (مما يجعلها خامس لغة في العالم بعد الإنجليزية و الماندارين و الهندية والإسبانية) و تطور ليكون الفضاء هذا شامل ل518 مليون متعلم أو بصدد تعلم لهذه اللغة، وبحدود 2065 عدد متعلمي اللغة الفرنسية سيكون أكثر من مليار بشر (مقابل 700 مليون بالنسبة للعربية للمقارنة). والدول المنتمية لهذه المنظمة يعيش فيها مليار و400 مليون مواطن، مما يجعل فضاء المنظمة واحدا من أكبر الأسواق في العالم، وعندما نضيف عامل الإنتشار الجغرافي، نجده الوحيد مع الفضاء الأنڨلوفوني الذي يتوزع على كل القارات.

يعني إنتماء تونس لهذا الفضاء هو خيار إستراتيجي كبير، لكن عندما نرى الديبلوماسية التونسية وعدم إستغلال هذه الفرصة مثلما يجب لنتموقع جيدا ونوسع أسواقنا، عندها يمكن ان نفهم لماذا "الفرار التونسي" (الأخ التونسي) يريد أن يغادر في الوقت الذي تريد فيه إقتصادات صاعدة مثل الإمارات، وقطر، والأرجنتين، والمكسيك، وغيرهم الحصول على عضوية.

تعليق جديد

نعمان التومي




نعمان التومي